
لم يتردد . لم يفكر مرتين فقد اتخذ قراره منذ زمن. حاجته للنقود كانت اقوى منه. اقوى من مشاعر الابوة التى لديه. فلقد اتخذ قراره ولن يتراجع
فيه . قرر ان يبيعها لاول تاجر وها هو جاء اول تاجر.
من بعيد ظهر بعوده النحيل و ملامحه السمراء يتقدم نحوها ومعه المشترى الذى رغب ان "يعاين البضاعه بنفسه" كما قال هو. يتقدم ومشاعر كثيره تختلط فى رأسه. يتقدم وهو يحلم بالاموال التى ستنهال عليه بعد ان يبيعها. يتقدم واثقا من نفسه وعلى وجهه البسمه الى لم تراها من قبل فاخيرا سيسدد ديونه واخيرا سيمشى فى الشارع دون ان يختبىئ من هذا وذاك.
تنظر اليه وقد زال همه و صغر سنه بعد ان امتلأ جيبه. تنظر اليه وتشعر انها قد قدمت شيئا لهذه الاسره الحزينه التى نسيت معنى الفرح. فهى بتضحيتها قد رسمت بسمتهم قد خطت معالم فرحتهم. تتساقط قطرات الماء عليها من اعلى لا تعرف هل هى دموع ام ان الجو ممطر. لا تحرك نظرها عن والدها فهى قريبا ستفقده ويعلم الله ما ان كانت ستراه ثانيه ام انها النهايه. تحاول ان تحفظ معالم وجهه تحاول ان تشبع من النظر اليه.
يقترب منها ويضع يده على راسها حاجبا عنها ضوء الشمس. هى تشعر بما يريد ان يقول دون ان تلفظ شفتاه بشىء. شعور بالحنان يملا عليها حياتها. لا تريد ان ترحل لا تريد ان يتركها. فلتبقى معى دائما . لو كانت المشكله طعاما فستقسم انها ستاكل اقل القليل. تريد ان تصرخ ولكن صوتها لا يخرج منها تريد ان تتكلم بشىء تحاول ان تفتح فمها لكنه حرك يده مبتعدا وحان دور المشترى لينظر اليها. لن تناديه باسمه غير انه مشترى فهو بالنسبه لها رجل خالى من المشاعر لا يحمل فى نفسه شئيا غير محفظة مليئه بالاموال التى ستنهال على والدها. تحاول ان تبعد نظرها عنه ولكنه يصر على ان تراه هى . بشاربه الكث و معالمه التى تدل على غنى جشع ببطنه الممتده امامه وتتعجب هل لديه القدره على رؤيه قدميه ذلك الكائن الذى لا يشبه البشر غير انه لديه قدمين. هل لديه القدره على الكلام ايضا ؟؟ ينظر اليه وعينيه تتفحص جسدها انه لا يعرف معنى الحياء حقا. ينظر الى والده ويقول "لا بضاعه تمام." انه مجنون حقا؟ الا يحترم وجود والدها ؟؟ لماذا يتحدث بذلك الاسلوب؟؟ يقترب بيده منها. ماهذا ؟ مستحيل هل سيقوم بلمسها فعلا امام والدها؟؟ انه مصر ويتقرب . شعور بالقرف والغثيان ويده الفظه تلمسها. "لا فعلا ناعمه" يقولها مطلقا ضحكه كما لو انه سعيد انه يفعل ذلك امام والدها فقط ليذله فحاجته للنقود ستجعله يتناسى اى شىء. يضحك متطايرا الرذاذ ليملأ رأسها. تدعو الله ان تنزل صاعقه من السماء فتمحوه ولا تترك منه شيئا.
يتراجع ليظهر اثنين من ورائه كان يخفيهم بجسده الذى لا يختلف كثيرا عن شكل الدولاب. هل سياخذونها فعلا؟ هل كتب والدها العقد فعلا؟ تحاول ان تبعتد, تتراجع الى حضن امها التى لاتنطق بشىء وانما تنهمر منها قطرات الماء على راس ابنتها. هى تبكى امها؟ لماذا لا تتكلم؟؟ لماذا لا تقنع والدها ان تظل معهن. لقد عرفت منذ زمن ان هذا اليوم أت لا محاله فهى سنه الحياة كما يقولون. تحاول ان تختبى فى حضن امها التى طالما اكلتها وشربتها التى طالما اظلت عليها وحمتها من اشعه الشمس. تتراجع اكثر ولكنهم يقتربون منها اسرع. هى لا تريد شيئا من ابوها . انها لن تجعله يشترى لها اى شىء . وانها ستبقى مع امها هى تعرف كيف تطعمها وكيف تسقيها؟ فليتركوها معها . انها لم تنضج كفايه ولا تعرف معنى العالم الخارجى. فالوجود بالنسبه لها لا يعنى لها سوى امها شجره الحنان وبيت الدفء و ابيها التى طالما احب ان تظر اليه وهى يعمل فى الحقل . مستيقظا عند اذان الفجر ليصلى بجوارها ويبدا عمله بنشاطه الدائم ونظرة الحزن فى عينيه التى لم تفارقه ابدا سوى الان.
لماذا سيتركوها وماهو العالم الخارجى ؟ كيف ستواجه هذا كله لوحدها؟ كلمات كثيره تختلط فى راسها ولكنها لا تنطق. يمسكوها من راسها ويجروها نحوهم كما لو كانت كيس قمامه. تلتفت وتنظر الى امها التى اشاحت بنظرها بعيدا فهى لا تريد ان تراها وهى تبكى. تنظر الى ابيها وقد اختفت معالم وجهه بين النقود التى يعدها للمره الثالثه. الن يودعها؟؟ هل باعها ونساها؟ هل هو ابيها حقا ام ان مشاكل الحياه جعلته ينساها؟ هل سيتركها من دون ان يقول كلمة دون حتى ان يقبلها. هل سيتركها ولا ينظر حتى اليها؟ لماذا اخترعوا ذلك الشىء المسمى النقود التى تذل الفقير وتجعل القوى يتحكم فيه كما لو انه حق مكتسب؟ لماذا نساها ابوها حين راى اول رزمة اموال؟ اساله كثيره ولكن بلا اجابه. ومن سيجاوبها الان حتى لو رغب فى هذا.
تائهة فى افكارها عازفة على اوتار اشجانها نظرت اليهم.... كعصفور الليل الحزين سابحا فوق أشجار الياسمين تقدمت نحوه مصيرها.... ببسمتها الرقيقه وعيون ملأها الشوق حنانا نظرت اليهم. صرخت كم تشتاق لهم ولكن صوتها لم يخرج.... مسرعة ابتعدت تاركة ظلالها من اجلهم فلا شى يقال بعد الفراق
تنطلق معهم وتتسائل فى اى مكان ستركب فى السياره هل ستجلس بجوار المشترى؟؟ تحمد الله انهم وضعوها بالخلف بعيدا عنه؟ فهى لا تأمن شره وكيف تأمن شر من لديه بطن مثله. يضعوها ويغلقوا الباب عليها محطمين اخر امل لها فى النجاه.
تتحرك السياره مبتعده عن بيتها متجه الى القاهره. ظلام دامس يغمر المكان ولكنها تشعر بوجودهم حولها. هل اخذو غيرها ايضا؟ لا تعرف ولا تسطيع تمييزهم فى الظالم المحيط بها. تتحرك السياره وتتخلط الذكريات بتراب القاهره التى اقتربوا من ابوابها. تتحرك السياره و تختلط المشاعر ما بين الخوف والرغبه فى الهروب و الامل فى الغد. تتحرك اسرع اسرع وكلما زادت سرعتها شعرت انها تتهكم عليها. صوت الاطارات تحولت الى ضحكات. صوت الموتور تحول الى شماته. تتحرك ولسان حالها يقول لن تعودى ثانيه فقد سبقك الكثير ولم يعد منهن احد.
واخيرا توقف كل شىء توقف الموتور وتوقفت الاطارات وتوقفت السياره. صوت الباب يفتح هل سيطلقو سراحها فعلا؟ تنظر لتجد وجوه غريبه تقترب منها وتنظر اليها. واخيرا بدات تميز انها ليست الوحيده التى هنا. فالمكان ممتلأ بمن مثلها. يجروهن وقد وضعوهن فى اقفاص مثل الحيوانات. يجروهن غير مهتمين بمشاعرهم . ثم يلقوهن على الارض امامهم فى حوض كبير ملئ بالماء والمنظفات. ويخرجوهم بعد نصف ساعه ليبدوا عمليه التقشير والتنظيف ثم التقطيع نعم التقطيع. انا اعرف ذلك ولكنها لا تعرف فلقد فارقت الحياة وهى فى الحوض . وبعدها يتم وضعهن فى اكياس و يطبعوا عليها "شيبسيكو المضلع" .
انظر الى الكيس الذى امامى واتذكر كل هذا. اتذكر ودموعى تنهمر منى لانه بالشطه والليمون. وقد قررت ان اكتب ماساة بطاطسايه التى نزعوها من ابيها الفلاح وامها الشجرة. اتذكر ودموعى تنهمر اكثر وانا فى حاجه ملحه لمنديل. اتذكر هذا وانا اقول اتفووووووووووو على الغبى الذى قال لى ان اشترى بطعم الشطه والليمون
بقلم احمد زكريا
No comments:
Post a Comment